سوسنة إسماعيل

شاعره وفنانه تشكيلية عُمانية

(رواية من الخيال)

إهداء إلى :


"مراد رجلٌ يسكنُ قلبي...."

6/5/2012

عاتكه....
وها أنا أعض شفتي و أبتلع ريقي كلما تذكرت لذة قبلتك يا مراد التي لم أتذوقها

... عاتكه(سورزات)

تركواز1:

وكنت أتمنى أن أتعَثر على نفسي فلعلني أعثرُ علي ...مجموعة من عبيد جدي كانت قادمة من هناك تستغيث طلباً للعبودية!أهازيج و أغانٍ يمنية كانت تصدح في تلك الشواطئ الممتده ، أحدهم كان يرفع حربة ويلقي بها إلى السماء ولكأنما

يحاول إصطياد غيمة هاربة لتزنف دموع الغمام!!

مضى ثلاثون عاما على نزوح جدي من هناكَ إلى هُنا،تاركاً خلفه قلاعاً وحصوناً وعبيداً ،تاركاً هوية السادة ليسكن ك(بشر)على أحد الشواطئ ، كان ذلك اليوم مليئاً بالعبيد و بالسادة و بالحب!،إقترب عبدٌ أسود بأنف قصير و شفتين سميكتين وكان يبدو بجسد قوي رغم عمره الذي يتجاوز الستين عاما، ليجلس بين يدي جدي ويقول له :ولدت فيكم سيدة سترث ما جمعتم من طيب الخصال فمن شرف جدكم إلى حاتميه نسبكم إلى جمال عبد المطلب إلى يوسفية حُسنِ ابن يعقوب. أطرق جدي رأسه و أحضرت كل الفتيات ولم أكن من هن لصغر سني ولأني كنت أختبئ تحت عباءة أمي ممسكةً عباءتها فتمسك رأسي وتقول "سور زات أرأيتي تلك الكومة من العصي الملقاة على جانب المراح ،ستكسر اليوم جميعا ..." وكنت أعض جزءا من عباءة أمي الملطخة بعطرها فاتحة عيني متأملة في مرور الفتيات أمام عيني العبد وفي كل مره كان يومئ برأسه بالرفض!،هرع رجل من أبناء عمة جدي إليه ضاغطا أصابعه بقوة و الناس تهتف وكأنما معجزةٌ حطت من السماء !،ثم يخشعون أمامه و كأنما يسقون شيئا من يديه! فنادى من العبيد رجلٌ طويل ونحيل وكان أسمر البشرة مائلا إلى صفره و به بعض من الملامح العربية كأنفه المعكوف الطويل و تقاسيم وجهه الحاده! قائلاً :من أراد الشرب من يدي السيد فليأتي و ليتقدم الأطفال ثم الكبار ، ولم يكن يحق للمرأة البالغة أن تشرب من يديه فوضعت أمي يديها الناعمتين على شعري المتموج وقالت :سور زات هيا ،ثم حملتني بين ذراعيها ومضت بي إلى هناك لأرشف من ذلك الماء !، ما إن وضعت شفتي الرقيقة على كف ذلك الرجل إلا وأحسست وكأن ماءا حلواً يسري في شفتي الرقيقتين فابتسمت وطاب لي المكوث وكنت صبية جميلة بعيون سوداء وشعر متموج طويل و براءة ساحره يستلطفها الجميع فكنت المحببة إلى كل من يراني ،فتناولني من يدي أمي ووضعني في حجره فكان كل من يأتي ليشرب من يديه يبادلني الابتسامة والمداعبة و التقبيل مما أثار غيرة صغيرات العائلة واللواتي لم تكن منهن من هي أجمل مني أو أذكى على صغر سني ،فتهافتن يحاولن لفت انتباه السيد ،فوقف رافعا لي في السماء وقال :سبقتكم إلي هذه الحورية!،اقترب العبد الضخم مني و وضع رأسه على يدي وأنا بين يدي السيد وقرأ شيئا ما ثم وضع في فمي عسلاً مخلوطا بحبة سوداء و طبطب على ظهري وقال ابنة من هذه ،فقال جدي ضاحكاً ابنة عمران !وضحكوا جميعا حتى سمعت لهم قهقه ولم أفهم مغزى كلام جدي يومها فأبي كان علياً !!ماهي إلا ثوانٍ حتى رأيت أمي تبكي وتقبلني والناس تتحلق حولي وكأنني قد حققت فتحاً عظيما أو انتصارا مما أثار خوفي فبكيت وأنا أمسك بأمي من صدرها و أرتعش ،فقالت لي :سور زات لا تخافي هيا لتلبسي ملابس العيد ،وكانت كل ثيابي بلون التركواز المائل للخضرة منذ طفولتي و كنت الوحيدة التي تمنع من قص شعرها أو ارتداء الحجاب ،ومن يومها كان الجميع يناديني بالسيدة العروس!،ففي الصف الأول كنت أجيب إن سألتُ عن إسمي بالسيدة العروس عاتكة سورزات ،فكانت التلميذات يضحكن مني وكانت معلمتي المصرية تقول لي أنه يتوجب علي ذكر إسمي فقط ،فأعود لتكرار كل ما كنت انادى به في منزل جدي!