التشكيلي موسى عمر حين يمكث في فردوس الشرق
محمد العامري – تشكيلي وناقد – الاردن
حين نقتفي اثر الفنان العماني موسى عمر نركض خلف مفردات كنا نعرفها وكأنه يذكرنا مرة اخرى برائحة الماضي ، الماضي الذي صاغ ذاكرتنا البصرية في مشهديات الزخارف الفطرية المتواجدة في النسيج والسجاد ومقدمات البيوتات القروية .
فالحلم الذي يمكث فيه هو حلم الامتثال لحاته الصادقة من باب ايجاد معادل موضوعي بين ما يصاغ في الغرب من موضوعات وبين شرقية هذا الفنان الذي يذوب في مفردات الجدات ويتجول في مدنه وموتيفاته التي تعكس بالتاكيد حرارة الوان الشرق وبهجتها وما زال هذا الفنا من خلال تجاربه العديدة يصر على ان يجد ضالته في تلك المنطقة يعيد صياغة المفردات الشعبية في فضاء تصويري اخاذ ، يحيل مشاهده الى عوالم اشبه ما تكون بفردوس لوني يمتلك موسيقاه الخاصة التي تحققت عبر ترددات المفردات وعبر تكرارية متنوعة في دواخل الوحدات نفسها تكرارية ظاهرية تحيلنا الى حيوية الفعل البصري فيما يقوم بفعله موسى عمر .
فقد مكث في تجارب سابقة في مدينة الحلم التي لا تشبه الا مجموعة من القرى القديمة موشومة بزخارف وموتيفات اشبه بتعاويذ سحرية قد نجدها في الحلي واعمال الفضة والانسجة الشعبية ليدخل الان في مناخات مشتقة من تلك المنطقة ولكن بنضج اكبر واهم حيث نشهد الاختزالات والدخول الى العناصر التي تقدم لوحة متماسكة موتيفات تشير الى الموضوع ولا تصرح به .
كنت اتوقع من موسى هذا التطور الواضح فيما ذهب اليه الان وخاصة تلك الاعمال التي جاءت على شكل وحدات تجريدية بمربعات غير منتظمة من هناك كان قد بدأ الفنا حرفية جديدة في نقل عناصره من المنطقة السياحية الى منطقة الفن وقد نجح في ان يقطر تجاربه السابقة ليصل الى هذا المستوى الذي يؤشر على مناخ سيقدمه بصورة فاعلة في معارضه ومشاركاته العديدة .
المشهد الشعبي بوصفه لغة عالمية :
المشهد الشعبي الذي يقدمه موسى ليس مشهدا ينطلق من مناخات السوق بل مشهدا يعبر عن موقف جمالي وانساني وعاطفة جياشة تأخذ الفنان بتاملات بصريات الطفولة ليستذكرها في مناخات السطح التصويري الجديد والذي اعطاه صفة مهمة فيما يذهب اليه من تحقيق في تلك المشاهد من خلال اكثر من صياغة :
التفكيك والتركيب : فهو يقوم باعادة انتاج المشاهد الفطرية في المادة البصرية المتاحة ليقدمها كلغة انسانية وعالمية دون ان تفقد معناها وصفتها الشرقية .فالزخارف النباتية تتحول لدية الى اشارات وخطوط تم تفكيكها لتتناغم مع صياغاته البصرية في السطح التصويري الواحد محافظا بذلك على رائحتها الاولى .
المزج بين الجذر والحداثة :
في هذا الامر يقدم موسى عمر مشهديات بصرية تجمع بين فضاء التصوير الغربي وبين مادة الشرق البصرية حيث يقدم جذوره وما ينتمي اليه بلغة العصر ولا يتنازل عن ذلك كونه يمارس متعته في خلق تلك الاجواء التي تجمع بين حداثته وتاريخه البصري بل وأكد ذلك عبر انتقاله من السطح التصويري الى مادة الصلصال ( الخزف ) ليحمل تلك الكتل ما كان متواجدا على الجرار من اشارات وزخارف فقد انتصر للمادة الاولى ( الطين ) ومادة الرسم نفسها ولكنني ارى الى انه حقق ذلك في سطوحه التصويرية دون عناء بل تجاوز ما سبق وان قدمه ليدخل في منطقة مهمة عليه الانتصار لها بشكل كامل .
التكرار والموسيقى :
في اعماله اجد مركبات موسيقية لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بالايقاع الذي اشتهر به الخليج ايقاعات الطبول واصوات المزامير هذا الرتم قد انتقل دون وعي من الفنان الى الوحدات البصرية التي تشكل ترددات في الالوات والاشكال والتجاورات والانتقال من تجاور الى تجاور اخر .
واجد اهمية هذا الفنا في تلك التكرارات للوحدات البصرية التي ستحيله الى اعمال اشبه بمتواليات بصرية تشكل فيما بعد سجادة اللون التي يحلم بها .