التحرر من الأكاديمية
وتتوقف لدى الفنان موسى عمر ، هذه الحالة التشكيلية المتسلحة بتلقانيتها المتحررة إلى حد ما من أعباء الأكاديمية ، فهو يتحرك بمهارة وحميمية على ألاضية الموروث مستمدا ألفة الخاصة من خصوصية الواقع والموروث العماني فهو يسعى لرسم مشاعره ، حيث أن حضارة العرب أقوى بكثير من غيرها ، وهو لا يعني بذلك التأسيس العزلة عن مجريات الإبداع في العالم ، ولكنه يرى أن توافقا أكثر يتحقق ويتأكد بين تكوينه ومحصلة التاريخيين ، وبين تقنيات المعاصرة ، ولا يكاد موسى يخفى انبهار بمغامرات المصريين ، مثلما يقف موقف القداسة من رواد المصريين.
وإن المفردات العمانية التي تفتحت عليها عين الفنان ، كالحصير العماني والخيش ، وزخارف الاونى... وغيرذلك يقدم لها الفنان بالأكريليك والريليف وهي خامات تتوافق مع خامات البيئة. وهاهي الحروفية آيضا تقدم لنفسها عبر أعمال موسى عمر كعنصر أساسي في غير عمل من أعماله وكأنها بقايا لغة الأجداد ، وأعرافهم وطقوسهم ،ولكنها بقايا تعاود بعث ذاتها وحضورها على نحو جديد. وها نحن نرى الحصان المثخن بالجراح ، والروح على مقربة من الجسر تغادر وتصاعد للسماء ، وتكاد تكون المسافة الصغيرة الفاصلة بينهما كافية لولوج الأرواح الشريرة والعفاريت لجينات المدينة المستغرقة في سكونها والهاجعة في وحشة الليل الأزرق غالبا ، رغم ذلك تبدو المدن مزدحمة . وهاهي الأسماك المأكولة تحلق في الفضاء العلوي الأزرق للوحة بينما تبدو العفاريت تطل برؤوسها وقرونها.
ويلجأ الفنان لاستخدام ألوان أقرب إلى منطق القرية العمانية ، إن لم تكن ألوانا طينية لربط الحالة بالأرض . إن مدن موسى تعلن عن وجودها دائما من خلال طغيان تأثيرها على روح الفنان ، لذلك يخلو عمل من أعماله من المفردات الواضحة للموروث العماني ، فالأشكال الهندسية تأخذ لديه منحى دلاليا مغايرا يتحقق من خلال علائق ديناميكية ... تربط فيما بينها ، فضلا عن الدلالة الفلكلورية لهذه الأشكال ، فهو يرسم روح الأشياء وروح المعنى ، لا روح الكائن ، محددا للمشاعر والقيم شكلا ولونا، من خلال دراما لونية تبحث عن مهارة بصرية تكفل للمتلقى المتعة وللمبدع التواصل ، وما التشكيل سوى لحظة بوح جميلة ، بسكونها ، وهواجسها ، وصخبها ، وأحلامها ، وألوانها .
ماهر حسن
شاعر و ناقد مصري